إلى السادة المُشاهدين،
الرجاء التحدث بلا صوت ، والتفكير بدون ضوضاء ،
فأنا وصديقي لا نهوى الإزعاج ،
أنا: الأسود
صديقي : الأحمر
.
.
لأول مرة أشعر بأني وَجدت ُ صديقي الحقيقي أخيرا ً ، ذلك الصديق الذي يتحدَّث عَنه الجميع بكتاباتهم وقصصهم عن مثاليته المُطلقة ، الصديق الذي يتقاسم معَك رغيف الحياة بحُلوها ومُرها، الصديق الذي تبحث عنه بحالة الضيق لتشكو له وكأنك تتحدث مع نفسك بدون مبالاة ولا خوْف من أن ينكشف سِرك أو تنفضح خباياك، الصديق الذي يدعوك هو َ لأن تدعوه أن يتواجد بالمكان الذي تتواجد به أنت بشخصيته وصفاته وثقافته وجرأته وفطنته وحكمته ، رُبما أطلت الحديث عنه بعض الشيء ولكني أعلم بأني لم أبدأ بعد ، فهو شيء من النوع الذي يصعب وصفه ببعض الجُمل ، لأنه يحتوي على الكثير من الشخصية الجاذبة المُحببة ، على العموم دعوته هذا المساء أن يأتي لغُرفتي للحديث عن بعض أسراري ، سبب إختياري لِغُرفتي إنني متأكِد جدا ً بأن جُدرانها صماء لا تَنقل أحاديثنا إلى آخرين يقطنون وراءها ويسترقون السمع، هكذا أطمئن بأن الواشي الوحيد لأسراري لن يكون سوى صديقي الحقيقي !!
قبل البدء بالحديث عن أسراري أدعوا الجميع ممن يسترقون السمع أن يشاركوني الآتي : حبتي "هلوسة" وكوبا ً من الماء ، حتى إن خرجنا عن أطر الأعراف أو قوانين الرقابة يكون العذر بأننا مُجرد "مُهلوسين" ، لا تقلقوا حيال مفعولها فهو يختفي سريعا ً بمُجرد أن أنتهي من وضع النقطة الأخيرة في هذه الصفحة.
أراك َ أسرفت بالحديث مع البقية وأنا بجوارك؟
دعك منهم وأخبرني ما تحمله بين أضلعك.
دعك َ من الحديث عن الفضيلة وبراءتها ، ولا تُشعرني بأنك لم تستمتع بإنتهاك الأعراف ، فالمدينة العاهرة التي تصفها هكذا تستلذها كُل يوم ، أسواق وسينمات ومراكز تجارية وسيارات وإنترنت وعالم جديد وغراميات ومسلسلات ، حياة لن تتعلمها إلا إذا فهمتها فهل تعتقد أننا بمُجرد أن نكبر نتجرد من الفضيلة فقط لأننا نُساير مدينتك العاهرة ؟
ألم تسمع قط بالحنين؟
هي مرحلة ما بعد الفقد ، أو ما بعد الرحيل ، أو أي كلمة تصف بأنك إنتقلت لمرحلة أخرى مجبورا ً ولست مخيرا ً ، ألم تتساءل يوما ً لماذا لا نحِنْ للمستقبل ؟ على الرُغم من إحساسنا بأن الإزدهار آت ٍ لا محالة ، خصوصا ً حينما نُدرك بأننا لازلنا في ريعان الشباب ، والطريق الذي نسري به مُعَّبد ومُيَّسر للوصول إلى المُبتغى حتى وإن وُجدت مطبات المفاجآت ، لسنا مُخيرين بأن نترك أبواب المدينة الفاضلة ونوصِدها خلفنا ، لكن ما المانع من الحنين إليها حتى ونحن نعلم بأننا لن نعود إلى عتباتها ، لست ُ وحدي يا صديقي من أعيش على أطلال الحنين فأغلبيتهم هكذا ، أنت تعلم جيدا ً بأني أتمسك كثيرا ً بالأشياء التي أحبها لكنني لا أستطيع أن أحتفظ بها طويلا ً ، هو الحنين من يجعلني أفقدها لأعود وأحن إليها ، صحيح نحن لا نُدرك قيمة الأشياء التي نحتفظ بها إلا حينما نفقدها ، لكننا الآن في المدينة العاهرة يا صديقي التي تجعلُك تستلذ كُل شيء جديد وتفهمه أليس كذلك ؟
إذا كان الحديث عن الحنين فقط ، فعفوا ً أنت جشع ، أراك َ تتحدث كثيرا ً عن أشياء فقدتها وأغلبيتهُن من الإناث ، ألا تعتقد بأن حتى الأعراف المُنتهكة لا تعطيك الحق بأن تفتح قلبك لجميع أولئك الإناث؟
هل تعاتبني حقا ً ؟
ألم نُخلق نحن لهن ، وخلقن هن لنا ؟ صدقني أنا لست ُ من ذلك النوع النهم بإغتنام كُل مايرى أمامه من إناث ، لكني أهوى التجديد ياصديقي ، مدينتنا العاهرة تتيح لنا أن ننتقي ما نُريد بدون أية متاعب ، صحيح إني نوع غير جذاب من الرجال لجميع تلك الإناث ، فأنا أفتقر بعض الشيء للمادة التي تجعلهن يركضن خلفي ، أو أن أقتنيهن كالسلع وبالسعر الذي أحدده ، لست ُ جشعا ً أبدا ً فأنا حتى مع رحيلي عن الكثير منهن فأنا أتذكر حُسن العشرة التي جمعتنا ولا أنكرها ، وأتمنى أن يعُدْن يوما ً إلي ، أو حتى إلى غُرفتي التي أدعوك َ هذه الأيام لدخولها ، هل تعلم أن إحداهن كانت تمسك بيدي طويلا ً ولا تتركها ، كُنت أشعر بالزمن حينما أنظر إلى وجهها ، وإحداهن كانت تحتفظ بكُل مُهم يخصُني وتحفظه كي لا يضيع ، وأخرى أضيع بداخلها وأجد نفسي حيثما أريد أن أكون بعد برهة ، الإناث التي تتحدث عنهن يا صديقي تركن إنطباعا ً في ذاكرتي لا ينمحي ، فلماذا تُريدني أن أتمسك بواحدة فقط في حين إنهن جميعا ً متاحات لي أنا الرجل ، صحيح إني دفعت ُ لهن جميعا ً سواء كان مالا ً أم وقتا ً أم تفكيرا ً أم حُبا ً ، لكننا لا نعيش بالمدينة الفاضلة يا صديقي أليس كذلك؟
يتبع قريبا ً ..
فصديقي يُجيب على إتصال هاتفي حاليا ً ..
عُذرا ً على المقاطعة ، فبعض الإتصالات مُهمة لدرجة إنه من الصعب إحالتها لوقت آخر، إذا ً يحِق لهُن أن يطلبن التجديد أيضا ً صحيح؟ أو إنك تحكم بعصا الدكتاتورية فيحق لك ما لا يحق لغيرك ؟
لا أتحدث عن الأحقية البتة ، كُلُنا خطاؤون ياصديقي ، صحيح تُركت لنا حُرية الإختيار لكن نحن لا نعلم خوافي وبواطن الأمور ، لهذا كانت العِصمة لنا نحن الذين نختار ، إذا كُنت تريد أن تكسب تعاطف الجنس الآخر فعليك أن تتجرد من قناعاتك وتميل إلى قناعاتهم وإختياراتهم هُم ، ليس فقط المَيلان بل حتى الموافقة بدون أن تضفي حيال الخيار أي نوع من التفكير أو النقاش ، الأمر لا يقبل القِسمة على جنسين ، بعيدا ً عن نعتك لنا بأننا نتحكم بعصا الدكتاتورية لكن هي الحقيقة المُرة التي لا يود تقبلها الجنس الآخر، هُن يبحثن عن الإستقرار في بيوت الرجال ، أوليس أفضل بكثير من أن يعرضن أنفسهُن على جميع المارة ويبدأ البعض بالتحرش بهن طِوعا ً؟ صدقني أنا شخصيا ً أشعر بهن كثيرا ً فحينما يرغبن بالتجديد أكون أنا أول من يبادر إليه ، نحن الجنس الآخر نتمتع بحس الإيثار فلا تقلق حيال الإنصاف من جهتنا ، وتذكر جيدا ً بأني لازلت أحمل القليل من الفضيلة في ذاكرتي حتى لو كُنت أتعطر برائحة المدينة العاهرة.
لماذا تناقض نفسك َ كثيرا ً؟
ماتقوله لا يمت للفضيلة بصلة ، فأنت تُعايش مدينتك العاهرة لكنك تلبس قناع الفضيلة ، أمممم لا أريد أن أصفك بأنك صاحب " وجهين " لكنك تُجبرني على قولها.
هل جربت الحُب يوما ً؟
هو ذاك الشعور الذي يختزل كثير من المعاني الجميلة بداخله ، يبدأ بداخلك صغيرا ً حتى لو آذيته حينها فهو لا يهتم كثيرا ً أو بالأصح لا يعي كثيرا ً ، من ثم يكبر ويكبر ويكبر ليفهم معناه ويبدأ يبحث عن الجديد بعالمه ، شيء ما يجعله لا يمل نفسه أو ينفر من روتينه الخاص ، شيء ما يُغذيه ويُدثره ليشعر بالحنان ، من ثم يكبر ويكبر ويكبر فيهرم ويموت ، ألم تتساءل يوما ً لماذا حينما تقذف حجرا ً إلى الأعلى يصل لمرحلة السكون بعد فترة من ثُم يعاود النزول إلى المكان الذي بدأ منه؟ ، الحُب تماما ً مثل ذلك الحجر فمهما كانت قوة تأثيره بنا سيصل إلى مرحلة السكون يوما ً ليبدأ بالسقوط ، والأعجب يا صديقي بأنه سقوط حُر لا تؤثر به إلا جاذبية الموت ، من ناحيتي الشخصية تعرفني جيدا ُ فأنا أصل لمرحلة الحُب بالتملك ، لكن متى يصل ذاك الحُب لمرحلة السكون فيسقط تعتمد على الطرف الآخر ، لكني لماذا تُصر على أن أنني أحاكي المدينة العاهرة في حين إني أحاول أن أكف عنها بقدر المستطاع؟
لا أستسيغ تشبيهك كثيرا ً ، فلا يوجد أي وجه شبه بين الحجر الذي لا توجد به ذرة إحساس ، وبين القلب الذي هو منبع الأحاسيس ، فكيف لك أن تظلم ذاك الخفاق بهذا التشبيه ؟ ألم تتساءل يوما ً لماذا يموت الحُب قبل أن نموت نحن ؟ هل هو قصير جدا ً لدرجة إنه لا يستطيع أن يحتوي حياتنا أو بالأصح أن يكون وحيدا ً بحياتنا؟
عُذرا ً لكنك تسأل نفسك هُنا ، تتحدث عن البحث عن " تصحيح " معنى الحُب في قاموس المدينة العاهرة وتتناسى بأنها مدينة توجد بها جميع إحتمالات الخطأ ، هي المدينة التي لا تحتوي على معاني الكمالية والشمولية ، فكُل شيء هنا يا صديقي توجد به ثغرة نستطيع نحن البشر الذين نُدرك معالمها أن نستفيد منها ، أن نجعلها في سرايا الأخطاء ونقودها إلى حيثما نُريد ، نستطيع أن نهتك عرضها في كُتب صورتها على إنها مثالية جدا ً دون أن تضع مُدققاً لثغراتها ، أراك َ تقتادني بهطولك أن أعود وأفسر لك المدينة الفاضلة مرة أخرى ، المدينة الفاضلة ياصديقي هي تِلك التي نتعايش معها ولا نفهمها ، عدم فهمنا لها هو من يجعلها فاضلة ، الحُب الذي لا يموت هو إحدى ممتلكات تلك المدينة ، من المؤسف بأننا لن نعيشها إلا بحالة وحيدة يا صديقي ، أن لا نفهمها فقط ، فالفضيلة بشر ، وليست مدينة !!
لكُل شخص إسترق السمع ها هُنا ولم يُدرك من هن الإناث الثلاث اللواتي لن يغادرن ذاكرتي ، فهو يعيش هُنا حيث ُ أشير بإصبعي إلى المدينة العاهرة ، لكن من باب الفضيلة القليلة المُتبقية بخوالجي سأعطيكم قاموس المدينة الفاضلة لتبحثوا به عن تِلك الإناث :
هل تعلم أن إحداهن كانت تمسك بيدي طويلا ً ولا تتركها ، كُنت أشعر بالزمن حينما أنظر إلى وجهها ، فهذه كانت ساعة اليد !!
وإحداهن كانت تحتفظ بكُل مُهم يخصُني وتحفظه كي لا يضيع ، وهذه كانت مِحفَظتي !!
وأخرى أضيع بداخلها وأجد نفسي حيثما أريد أن أكون بعد برهة ، وهذه كانت سيارتي !!
قبل قليل غادر صديقي غُرفتي وهو صامت ، أشعر بأني أحزنته فحينما أرتد طرف عيناي إختفى فجأة ، صحيح قبل أن أنسى لدي سر سأخبركم به عن صديقي ، فهو لا يزورني إلا حينما أتناول "حبتي هلوسة" وكوبا ً من الماء.
همسة:
سينتهي مفعول الهلوسة بعد قليل ، فلا تُعيروا ما كُتب أعلاه أي إهتمام.
خالِد]